هل ينوي شباط حقا تحويل فاس إلى مدينة مقدسة؟
فاس ..عاصمة العلم والقرويين
[b]هل رئيس مجلسها وعمدتها عازم فعلا على تحويلها مدينة مقدسة؟
في سابقة،
ربما هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب الحديث صادق المجلس الجماعي
لمدينة فاس يوم الأربعاء الأخير في الدورة العادية لشهر فبراير على نقط
حساسة تضمنها جدول الأعمال المدرج، وتتعلق بقرارات تنظم إجراءات إغلاق
الحانات ومحلات بيع الخمور والمراقص والملاهي الليلية ومحلات القمار
والرهانات، وكل أماكن الترفيه التي يصاحبها الخمر، وليس هذا فحسب وإنما
حتى أماكن الشيشة فقد شملتها هي الأخرى القرارات، قرارات نالت تأييد 89
مستشارا.
غير
أنه مباشرة بعد هذه الدورة التي كانت ساخنة بلا حدود اشتعلت التداعيات
والتجاذبات من كل حدب وصوب، إذ ما أن غادر المجلس المركب الثقافي"الحرية"
حيث عقد دورته حتى أعلنت حالة تحرك قصوى من جانب حزب الأصالة والمعاصرة
الذي سارع إلى إعلانه انه سيرفع دعوى قضائية ضد عبد الحميد شباط رئيس
المجلس الجماعي لفاس بسبب ما تعرض إليه بعض
المحسوبين عليه من مستشاري بلدية فاس من اعتداء من طرف محسوبين على شباط
خلال هذه الدورة، إضافة إلى حشد جموع المنعشين السياحيين ودفع المجلس
الجهوي للسياحة إلى استصدار بيان على وجه السرعة يعبر عن استعداد مهنيي
قطاع السياحة بالجماعة للدفاع عن مصالح السياحة وتوفير كل المناخات
الملائمة لتطويرها وتنميتها داخل الضوابط التي ينظمها القانون والأعراف
الأخلاقية والقيم الدينية، معتبرين أن ما أقدم عليه رئيس المجلس البلدي
لفاس هو مجرد مزايدات سياسية لا تمت بصلة إلى ما برر به النقط التي أدرجها
بجدول أعمال الدورة واستطاع تمريرها.
لكن
السؤال الكبير الذي سيطرحه بلا شك كل الذين تابعوا فصول هذه القضية منذ
بدايتها حتى الساعة،هو هل فعلا شباط ينوي تحويل فاس إلى مدينة روحية مثل
مكة، لا خمر فيها ولا شيشة ولا أوكار دعارة ولا قمار، ولا أي شيء مما قد
يسمى فسادا؟
[b]فأي
رجل هذا، إذا كان الأمر فعلا هكذا، وأن الرجل عازم بالفعل على خوض هذه
المعركة التي هي بالفعل مازالت في مراحلها الأولى، ويعلم الله ماذا قد يقع
إذا ما تقدمت الأمور قليلا، رجل من هذه الطينة لا يسعنا إلا الجلوس
وانتظار فصول معركة قادمة في الطريق بينه وبين كل الجهات التي تعتاش مما اسماه مسيئا لسمعة فاس الروحية. جهات كثيرة ومتباينة قليلها ظاهر وكثيرها في الخفاء.
هل شباط وهو الرجل المتمرس على سياسة الاستعصاء والعارف بخبايا أهل الدار والديار خفي عنه أنه وضع أصبعه بعش الدبابير؟
[b]طبعا
لا أحد يستطيع القول أن هذا الرجل خفيت عنه كل هذه الأمور، وهو يسطر
لقرارات لم يجرؤ احد قبله بفاس أو بغير فاس على أن يتخذ فيها قرارات بحجم
ما ذهب إليه شباط. ثم ألا يعلم أن هذه المسالك التي ينوي قطعها هي مسالك
مرتبطة بمجال السياحة التي تراهن عليها الدولة في ملء خزينتها بالعملة
وتوفير الشغل، وما ادراك ما الشغل الذي سيصبح في هذه البلاد إذا ما استمرت
الأمور على حالها أغلى من لبن العصفور؟ هل شباط لا يعرف كل هذا وحزبه يقود
سفينة الحكومة؟
[b]طبعا
مستحيل أن يتخذ عمدة فاس كل هذه القرارات الخطيرة في غياب كل هذه المعطيات
والحقائق المتصلة باقتصاد البلاد. وإذن ماذا؟ ما الغرض من هذه الخطوة
الكبيرة؟
[b]المتتبع للمسيرة السياسية لشباط منذ بدأت أعيرته تثقل في ميزان الحياة السياسية يلاحظ
أن الرجل يحب التحدي إلى درجة العشق المميت، وكلما طمح إلى مهادنة طويلة
الأمد مع جهة ما أو خصم عنيد أو حتى قبل أن يصبح خصما وتنبه انه قادم إليه
في الطريق شن عاصفة قوية يهجم بها، ولا يوقفها حتى يبخر الريح التي تمشي
عليها عجلات خصمه، وبغض النظر عن مشروعية هذه الطريقة أم لا ، فهي على كل
حال نمط من أنماط تصفية الحسابات، ولكن ما يبدو بين تلابيب هذه القضية
بالذات، والمتعلقة بتحويل فاس إلى ما يشبه مكة يبدو لي أن الأمر يتجاوز
بقليل مرحلة تصفية الحسابات إلى ما يخص المشهد السياسي ومكانة الحزب الذي
ينتمي إليه، وهو أمر تشتم رائحته من دخول حزب الاستقلال على الخط حين نعت
وكالة المغرب العربي للأنباء بالمنحازة لحزب الأصالة والمعاصرة، وأنها
أصبحت ناطقة باسمه معبرا عن قلقه بخصوص الطريقة التي صاغت بها أخبار فاس
وتداعيات قرارات دورة المجلس الجماعي لشهر فبراير.
فخطوة
شباط هذه بغض النظر عن تفعيلها من عدمها، يبدو لي أنها إشارة قوية إلى
الطامعين في فاس وفي تحويلها إلى قلعة حزبية خاصة بهم، فلهؤلاء توجه شباط
بالتنبيه أنه قادر على تقليم أظافرهم من خلال إغلاق "الحنفيات" التي تفيض
عليهم بالمال وهي تجارة الخمور التي تعمر مشاريعهم
السياحية ومراقصهم الليلية، ويكفي أن نشير إلى أن أحد مالكي مجموعة من
الفنادق هناك بفاس هو واحد ممن يعول عليه حزب الأصالة والمعاصرة هناك،
وهذا يعني أنها خطوة ترمي إلى تعزيز تواجد حزب
الاستقلال بفاس، حاكها عبد الحميد شباط داخل رسالة قوية يهدد بها الخصم
السياسي والأمني والسلطوي في نفس الآن يمنحها له نفوذه القانوني كرئيس
للمجلس الجماعي وعمدة المدينة، نفوذ يمنحه الحق في اتخاذ كل الإجراءات
التي يقدر أنها في صالح المدينة حتى وان كانت على حساب مصالح خصومه، وهي
رسالة واضحة لا تحتاج إلى كثير من الذكاء السياسي يوجها إلى بعض الأشخاص
المسنودين والمحسوبين على بعض المكونات السياسية يستثمرون أموالا طائلة
بفاس في المجال السياحي و الفندقة، وهي مسألة قد تدفعهم إلى إعادة ترتيب
العديد من التصورات التي رتبوها سلفا انطلاقا من معطيات لم تكن العصا التي
رفعا شباط اليوم حاضرة. أيضا ترسم خارطة طريق لتحالفات محلية ووطنية في
أفق ولادة قطب سياسي تلتقي فيه مجموعة من المكونات السياسية المحافظة التي
يعجبها أسلوب عبد الحميد شباط في صد الوافدين الجدد، تلتقي حول نفس بعض
الانشغالات إن لم تكن كلها، كحزب العدالة والتنمية مثلا، والذي صوت إلى
جانب شباط في هذه القرارات بكل أعضائه، كذلك تشير هذه الخطوة إلى أن حزب
الاستقلال موجود في الساحة السياسية ويتمتع بقواعد عريضة ويمكن أن يخلق
رفقتها الكثير من المشاكل والقلاقل، وهي رسالة ستلتقطها الآليات لتي تسهر
على تنظيم المشهد السياسي بكثير من الجد والحذر من الاقتراب من مربعات
الحزب أومحاولة خلخلة الهالة التي يصنعها لنفسه.عموما
هذا الشعار الذي رفعه شباط هو شعار من اجل ملحمة جديدة تعطي الانطباع أن
الحزب مازال قويا، وأنه لا يمكن أن ينصاع لأحد وأن مسؤوليه يستطيعون فرض
اختصاصاتهم بقوة القانون ومواجهة السلطة لفائدة ما يخدم الناس، وهذه طبعا
هالة تخدم الحزب في شق طريقه نحو لم أطياف سياسية والسير بها إلى قطب
سياسي محافظ، وهي معركة، هذه مجرد بداية لها، ستتلوها فصول أخرى تدور كلها
على ارض فاس بقيادة شباط الرجل الذي برهن منذ وصف المهدي بن بركة بالقاتل
على انه يحسن إدارة المعارك القوية، بل ويحسم نتائجها لصالحه بترويض خصومه
على التعايش معه في سلام، معركة قد لا تطول والنجاح فيها سيكون لصالح
الماسك لعصا العمودية لأنه اختار لها بداية قوية امسك فيها باليد الموجعة
في جسم خصومه الذين ينوون الانتشار في فاس، وهذه اليد هي استثماراتهم الذي
تعد بالملايير في المجال السياحي، و هذا لن يضير حزب الاستقلال في شيء إن
أبعده عن حلفائه السابقين في الكتلة وخلق بينهم وبينه مساحة محترمة، فهو
يعرف سلفا أنهم لايلتقون معه سلفا في هذه القراءة المتعلقة بقرارات شباط
في فاس، كما يعرف أن مكونات كثيرة داخل الاتحاد الاشتراكي تجر في اتجاه
التحالف مع خصمه في فاس